فــُـصّـِــلـــَــــت

نجم، الحاجة إلى لغة برمجة

قد يقول قائل ما الحاجة إلى لغة برمجة جديدة؟ وقد يظنّ ظانّ أنّنا ضيّعنا وقتنا وأعدنا اختراع ما سُبِقنا إليه، وقد يُمطرنا بعضهم وابلًا من السِّباب لأننا اخترنا المفردات العربية في تراكيب نجم، وقد يتعجّب آخرون ويرفضون فكرة تصميم برامج يكتبونها من اليمين إلى اليسار، وقد تذهب طائفة إلى القول بأننا لن نقدر أبدا على مجاراة اللغات العالمية الأخرى، هذا إضافة إلى أنواع أخرى من الانتقادات التي، على عكس المتوقع، تستَنهِض هِمَمَنا للعمل أكثر والسير نحو الأمام دون أن يبلُغ منا الكلام أي مَبلغ.

المعلوماتية العربية


يسألونك عن المعلوماتية العربية، قل إنّها لن تتطور ولن تزيد مثقال ذرّة ما دامت لا تملك حقلًا معجميا معلوماتيا خاصًا بها، لأنك عندما تفتح درسًا عربيًا في البرمجة، تجد خليطا مخيفا من الحروف العربية واللاتينية، وتجد نفسك مضطرا لقراءة كلمة من اليمين ثم تنقيل عينيك نحو اليسار لقراءة الكلمة الأعجمية التي تليها، هذا سببه الغياب المريب للكلمات العربية الواصفة لمختلف المفاهيم البرمجية، مما يضطرنا لكتابتها كما عرفناها بالانجليزية أو الفرنسية أو غيرها.

يجعل هذا الخليط اللغوي والمفرداتي القارئ يتعب دون أن يستوعب شيئا، كما أنّ العربية تلعب فقط دور الرابط أو الوسيط الذي يربط بين الكلمات الأعجمية المستعملة، إذ أن العجمة هي الأساس والجوهر، أما العربية فالحَشْو فقط.

ربما أن الحظ ساعف باقي اللغات الأجنبية لأنها تشارك الإنجليزية نفس الحروف واتجاه الكتابة، وهذا يجعلها تستورد الكلمات الإنجليزية بسهولة، كما يجعلها تسمح بكتابة دروس وشروحات متجانسة تستخدم نفس الحروف والكلمات، ويمكنها تسمية الدوال والمتغيرات بمسمياتها مما يجعل الأكواد تعكس المعنى المشروح، أما العربية فهي من سلالة لغات تختلف كلّ الاختلاف عن سلالة الإنجليزية ولا تقبل بتاتا الاختلاط بها، فذلك كوضع الملح والسكر على طبق طعام واحد.

أقول أنّه لو مثلا كانت البرمجة بالفارسية، لما وجدنا حاجة ملحّة لتصميم لغة برمجة عربية، ذلك لأن اللغتان تتشارك نفس نمط الكتابة ويمكننا حينها كتابة برامج بالفارسية وتسمية المتغيرات والدوال والفصائل بالعربية دون إشكال، وحينها لهرول الفِرنسة والإنجليز لاختراع نظام برمجة بلغتهم، لأنه لا سبيل لهم إلى تأليف كتب ومقالات برمجية فيها الشرح بالإنجليزية (يسار إلى يمين) والأكواد بالفارسية (يمين إلى يسار)، أو أن يُكلموك عن متغيرات ودوال مسمّات بالفارسية لكي تستجيب لمتطلبات تمّ التعبير عنها بالإنجليزية.

لا حرج في أن يتّخذ المرء لنفسه مراجع أجنبية للدراسة والتعلّم (وهذا ما نفعله نحن)، بل إنّ هذا واجب لنبقى على دراية بمستجدات الأمور وتكون لنا عين على العالم، لا أن نبقى منطوين على أنفسنا حتى يدخلوا علينا بعجائب الاختراعات والعلوم فننكسر حيرة وانبهارا تحت حضارتهم، إنما العيب كلّ العيب في أن يبدأ المرء في العطاء والتوثيق والاكتشاف بلغة أمّة أجنبية فتنسب جهوده إليها مقابل بعضٍ من فتن الدنيا، وما هي إلا أعوام فيتركها ويرحل إلى دار البقاء تاركا وراءه عِلمًا فازت به أمّة غير تلك التي أوجدته.

لغة برمجة عربية


عند تفكّري في كل هذه الأمور، أدركت أنّه لا سبيل لتحقيق تقدّم عربي معلوماتي دون لغة برمجة عربية، لأنه بها سيتم وضع أساس مفرداتي عام، وسيتم ضبط توجّهٍ معلوماتي موحد للغة العربية، وسيعتاد الناس على رؤية العربية في البرمجة والحوسبة، وسيعتاد المبرمجون على اشتقاق ألفاظ وأسماء برمجية دون عناء.

إنّ تقدّم أمّة ما لا يتمّ دون أن تصير هذه الأمّة منتجة للمعلومة لا مستهلكة لها فقط، والانتاج لا يمكن أن يكون دون وعاء يحتويه، ووعاء العلم والمعلومات هو اللغة، واللغة هي التي تعكس ثقافة هذه الأمة حتى تضمن هيبتها وحضورها وسط هذا الصراع الحضاري المهول. وبما أننا مثلكم تمامًا نحلم بالقضاء على الجهل والانكسار والتراجع الذي أصاب أمتنا، ونحلم بأن تكون كلمتنا مسموعة ورأينا محترم بين الأمم، فقد رأينا أن نبدأ بما هو أساسي، ألا وهو إقحام لغتنا في الصراع الشريف وجعلها أداة للإبداع العلمي والمعلوماتي.

هل العربية قادرة؟


لقد عشنا وقتا طويلا مع العربية المعلوماتية، واستخدمناها بشكل مكثف، وواجهنا بها أعقد العقبات وففكنا بها أشبك المشاكل، وإنها والله لم تخيّب ظنّنا يومًا، فقد كانت دائمًا تضع بين أيدينا سلسلة من المفردات والإشتقاقات الجديدة لنختار منها ما نحتاجه للتعبير عن غرض معلوماتي معيّن، ونحن لم نجد فيها أيّ قصور أو عدم قدرة على إيصال أفكارنا وتداولها وتجسيدها على الواقع، بل وإننا قد وجدنا متعة عظيمة في استخدامها وسهولة ويسرًا وحلاوة لم نجدها في غيرها، والسبب بسيط وواضح وهو أن العربية أصلنا وجزء منّا والنفس لا ترتاح إلا بما هو منها.

وإجابة على ما يقال، فإنشاء لغة برمجة جديدة هو ليس إعادة اختراعٍ للعجلة، ذلك لأننا لم نخترعها أصلا، كما أنّه من الجيّد إعادة صناعة بعض الأمور حتى نفهم تقنياتها ونكشف عن أسرارها وتكون لنا بذلك انطلاقة جيدة نحو تطويرها واختراع ما لم يسبقنا إليه أحد. ولتمثيل الأمور دعنا نقول أنّ شركة عربية قررت صناعة سيارات عربية من الصفر، هل ستشجعهم على ذلك أم أنك ستعارض بدعوى وجود سيارات عالمية؟ نحن نريد بجد التقدم والتخلص من كلّ المعوقات التي تحول دون ذلك، وعلى كلّ منّا أن يرفع سلاح العلم لمواجهة هذا العدو القبيح الذي سيطر علينا لعقود، ألا وهو أنفسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق